سُلطة الدولة أم سَلـَطة الدولة !
بتاريخ الأربعاء، 4 نوفمبر 2009
في تقرير لوكالة أنباء بلومبيرغ الدولية الصادر يوم الخميس الموافق التاسع من أكتوبر 2009 بعنوان
( إيران قد تهرب من العقوبات الأمريكية إذا ما استمر تدفق الوقود الإماراتي )
جاء فيه :
" إن جهود الولايات المتحدة للضغط على إيران بتقديم تنازلات بخصوص مفاعلاتها النووية عن طريق الحد من واردات البنزين ليس أمامها سوى فرصة ضئيلة للتأثير بسبب رغبة دولة الإمارات العربية المتحدة ودول أخرى بالاستمرار في تصدير الوقود للجمهورية الاسلامية. "
و تورد بلومبيرغ تقريرا ينص على أن دولة الإمارات تعتبر من أهم مصدري البنزين لإيران إذ يبلغ مجموع ما تصدره عن طريق موانئها حوال 75% من احتياج إيران للبنزين سواء كان ذلك رسميا أو بصفتها طرفا ثالثا في عمليات التصدير . الأمر الذي يجعل من قانون فرض العقوبات على إيران الذي تم إقراره من قبل لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب ذا تأثيرمحدود ما لم تطبق القيود الدولية حيث تقوم شركات تجارية كمجموعة فيتول لروتردام وامستردام و شركة ترافيجورا بيهير تقوم بنقل الوقود إلى دولة الإمارات ومنها ينقل إلى إيران في وقت لاحق .
وقد رفعت لجنة العقوبات تقريرا إلى وزارة الخارجية ينص على منع الشركات التي تصدر البنزين إلى إيران من الاستثمار في الولايات المتحدة أو التعامل مع البنوك الأمريكية .
و عند سؤال بلومبيرغ لوزير خارجية الإمارات عبدالله بن زايد أثناء زيارته لتشيلي حول هذا الموضوع ، أجاب بأن حكومة الإمارات ملتزمة بالقرارات الدولية ـ و على الشركات الخاصة التي تقوم بالتصدير أن تقرر كيفية الرد على أي تشريع صادر من الولايات المتحدة !!
و نتسائل عن حيثيات هذه الشركات و ماهيتها و مدى الخصوصية و الحماية التي تتمتع بها ، فهذه الشركات لا تمارس عملها من جزر الواق واق لذا يترك لها خيار كيفية الرد على أي تشريع دولي ـ بل هي شركات مرخصة من الدولة و تعمل على أرضها و يتوجب عليها الالتزام بقراراتها تجاه دول العالم ـ لذا فإن هذا الرد الذي جاء على لسان وزير الخارجية يخلو من الديبلوماسية و الحصافة التي يفترض أن يتمتع بها أي وزير خارجية في العالم .
تتعامل الدول مع بعضها من خلال وزير خارجيتها الذي ينقل خطاب الدولة الرسمي و الذي يقاس عليه نوعية العلاقة بين الدولة و العالم ، فهو الواجهة السياسية للدولة و عليه فإن دول العالم تحرص على اختيار من يمثل هذه المهمة الحساسة ممن يملك الحنكة السياسية و الحكمة و دبلوماسية التعامل و الرد ، حيث أن كل كلمة صادرة منه أو رأي لا يحاسب عليها كفرد و لكن كناطق بإسم دولته .
إن ما اتخذته لجنة المقاطعة بخصوص الشركات المصدرة للنفط و توصياتها لوزارة الخارجية بأن دولة الإمارات تعرقل الجهود الدبلوماسية التي تقودها الولايات المتحدة لمقاطعة إيران لإجبارها على الرجوع عن طموحاتها في برنامجها النووي لم يبنَ على فراغ ، فالدراسات العملية على أرض الواقع أثبتت بما لا يدع للشك أن معظم البنزين المصدر لإيران يأتيها عبر موانئ دولة الإمارات ، و قد دعّم عجز الإمارات عن اتخاذ أي قرار خاص بمقاطعة إيران تلك التصريحات النارية التي أطلقها وزير الخارجية حين ترك خيار التقيد بالتشريعات الدولية بيد الشركات الخاصة التي تمثل دور الوسيط بدولة الإمارات في عمليات النقل إلى إيران. جاء تقرير لجنة المقاطعة تلك بعد أن أصدرت محكمة نيويورك قرارها القاضي بمنع فريق الأوراكل الأمريكي من الذهاب إلى دولة الإمارات للمشاركة في كأس أمريكا لليخوت كما ذكرت السي إن إن . بعد أن تقدم فريق أوراكل بدعوى قضائية إلى المحكمة واصفا أن المكان بالغير لائق لقربه من إيران و تقاربه الوثيق مع النظام الإيراني . و بعد هذا التقرير حضرت وزيرة الخارجية الأمريكية إلى دولة الإمارات للاجتماع مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس و مبعوث السلام للشرق الأوسط جورج ميتشل قبل توجهها إلى إسرائيل للالتقاء برئيس وزرائها بنيامين نتنياهو للتباحث حول عملية السلام . لم تلتق وزيرة الخارجية بأي من أعضاء الحكومة الاتحادية بل لم يشارك أحدا من البلد المضيف في الاجتماعات كما تنص البروتوكولات الدولية .
تلك رسالة توجهها الولايات المتحدة لدولة الإمارات التي تنتظر موافقة الكونجرس على اتفاق التعاون النووي بينها و بين الولايات المتحدة ، و تحمل في طياتها عدة مضامين أهمها عدم الرضا الأمريكي حول ما يحدث على أرض دولة الإمارات في غياب الحكمة السياسية و الفشل الأمني الذريع الذي جعل من إيران غولا يتربص لحظة إنقضاضه على هذه الدولة .
إن الوضع الحالي الذي تعيشه الدولة يجعلها بين خيارين أحلاهما مرُّ ـ فهي من جهة تحتاج لحليفتها الولايات المتحدة و تطلب رضاها و في الوقت نفسه لا تستطيع اتخاذ أي قرار بخصوص مقاطعة إيران التي تقبض بيد من حديد على الاقتصاد الإماراتي إلى جانب العديد من الخلايا الإيرانية النائمة التي تنتظر شرارة الإنطلاق لتنفيذ خطة إيران السرية في استعادة أمجاد الامبراطورية الفارسية .
إننا اليوم نقطف ثمار ترهل سياسة الدولة و تراكم أخطائها القاتلة التي و ضعتها على المحك أمام الخيارات الدولية و لا يزال هناك من يظن أن قوة المال الغير مرشّد ستضمن البقاء لأنظمة لا تعي ما تقول و لا تقدّر نتائج أفعالها فتضحي بمستقبل سيادتها و احترامها بين الدول ، و يبقى المواطن المخلص من يدفع ثمن تلك السياسة الرعناء و صلف الإدارة و استبدادها بالقرار و تغييب الرأي العام و نصائح المخلصين من مواطينها .
التعليقات
مواقع شقيقة
- مأساة راس الخيمة ـ Space
- مأساة رأس الخيمة (1) على الـــfacebook
- مأساة رأس الخيمة (2) على الـــfacebook
- مأساة رأس الخيمة صفحة عامة(2) على الـــ facebook
- مأساة رأس الخيمة صفحة عامة(1) على الـــ facebook
- مأساة رأس الخيمة - Maktoob
- مأساة رأس الخيمة -Word press
- مأساة رأس الخيمة - blog
- مأساة رأس الخيمة -Flicker
- مأساة رأس الخيمة على الــ youtube
تفضل بكتابة تعليق