لسانك حصانك .. إن صنته صانك و إن هنته أهانك
بتاريخ السبت، 10 يوليو 2010
هذا المثل العربي لم يأت عبثا أو قيل دون إدراك بل هو وصف دقيق لحالة تسوق صاحبها إما للاحترام أو للاحتقار ـ و لأن العربي مرتبط ببيئته فأتى التشبيه بالحصان رمز الفخر و التباهي العربي الذي رسم فصول النصر في الحروب و الغزوات و ما إلى ذلك . كما إن للإنسان أو المكان شكل داخلي و آخر خارجي ، فنحن لا نرى باطن الأرض و لكننا نألف قشرتها التي نراها و نمر بالمنازل لا نعلم داخلها و أهلها و لكننا نرى واجهاتها ، فإن كانت جميلة عبرنا عن إعجابنا بها و إن كانت قبيحها عبرنا عن اشمئزازنا منها . و الشيء نفسه ينطبق على الإنسان ، فننظر إلى هندامه و مظهره و هذا ما نعرفه عنه من النظرة ( الخارجية ) و لكننا لا نعلم ما بـ ( داخليته ) إلا إن اقتربنا منه و تجاذبنا أطراف الحديث و ربما ينكشف الداخل إثر موقف معين قد يمر به هذا الإنسان فتظهر فيه حقيقته عارية .
هذان المسميان ( خارجية ) و ( داخلية ) تمت استعارتهما لمؤسسات سياسية داخل نظام الدولة فأوكلت للخارجية مهمة إبراز الوجه المشرف للدولة بين الدول ، و أوكلت للداخلية مهمة الحفاظ على أمن الدولة الداخلي و حمايتها من أي عدوان محتمل على أراضيها عن طريق أساليب أمنية معينة لملاحقة المخربين و الخائنين و المتهاونين ..
حسنا .. بعيدا عن الخوض في اللغة و التراث العربي نحن اليوم بصدد أمور تتكرر كثيرا في وزاتي الداخلية و الخارجية بدولتنا .. فالأمن الذي هو من اختصاص وزارة الداخلية يمر بأسوء حالاته منذ تأسيس الاتحاد حيث أصبحت الدولة هذا اليوم بؤرة فساد و انعدام أمني و منطقة جذب لغسيل الأموال و تجارة المخدرات و السلاح و التهريب و الخلايا النائمة و الرقيق الأبيض و النصب و الاحتيال ... الخ . الأمر الذي يعني أن وزارة الداخلية عاجزة عن أداء مهمتها في حفظ الامن و الاستقرا و هو الأمر الذي يقلقنا كثيرا ، خاصة و أن رأس الخيمة أصبحت وجبة شهية على موائد الصحافة و التقارير الإخبارية و الاستخبارية ووصفت بأنها بوابة التهريب من و إلى إيران حيث سخرت فيها المنافذ البحرية و الجوية لممارسة هذه التجارة المحرمة الأمر الذي دفع أحد أجهزة الاستخبارات بوصفها مؤجرة لإيران .
أما وزارة الخارجية المنوط بها إبراز الوجه المشرف للدولة نجدها تتخبط في سوء التخطيط و التصريح و الفعل و الفعل المضاد ، و لا تحتكم لعقل أو حنكة أو دراية مما جعلنا نواجه سيلا من رسائل الاحتقار من قبل المسئولين الإيرانيين . فقبل فترة صرح وزير الخارجية بأن احتلال إيران للجزر لا يختلف عن احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينة ، و هذا ما اعتبرته إيران نوعا من التطاول عليها ، خاصة و أن الظرف اليوم لا يسمح بعقد مقارنة بين هاتين الدولتين اللتين تتبادلان العداء و تتربصان ببعضهما لإزالة أحدهما الأخرى عن الخارطة العالمية ـ لذا جاء الرد الإيراني على تصريح وزير خارجية الإمارت قاسيا و مهينا فوصف بالتصريح ( المقزز ) و طالب بعض النواب في المجلس الثوري بضرورة تعليم الإمارات درسا في أسلوب التخاطب مع دولة بحجم إيران ، بل ذهب أحدهم إلى اقتراح إقامة ما يشبه الامبراطورية الفارسية تشمل المناطق المطلة على الخليج الذي يسمونه بالخليج الفارسي و أن تكون جزيرة أبوموسي العاصمة السياحية لهذا الإقليم الفارسي .
اليوم تتكرر الحادثة بشكل أسوء من سابقتها ، فقد صرح سفير دولة الإمارات في واشنطن يوسف العتيبة ، بأنه يويد ضرب المفاعلات النووية الإيرانية حيث ذكرت صحيفة واشنطن تايمز أن سفير الإمارات في الولايات المتحدة يوسف العتيبة ذكر " في لقاء عام بمدينة أسبين في ولاية كلورادو الأمريكية قوله : " إنه من منطلق تحليل المنفعة فإنني أعتقد أنه بالرغم من الحجم الكبير للتجارة بين الإمارات وإيران التي تقترب من 12 مليار دولار فإنه سيكون هناك عواقب لمثل هذا الهجوم وردة فعل ومشكلات مع أناس يحتجون على ذلك وأعمال شغب واستياء شديد لأن قوة خارجية تهاجم دولة مسلمة، لكننا ليس بمقدورنا العيش مع إيران النووية". ونسبت شبكة Fox News في موقعها الإلكتروني إليه القول "إن فوائد شن هجوم عسكري على برنامج إيران النووي تتجاوز التكاليف قصيرة المدى التي قد يكلفها مثل هذا الهجوم".
تلقت إيران هذا التصريح بالكثير من الاستياء فجاء الرد سريعا و قاسيا على لسان المتحدث باسم لجنة الأمن القومي و السياسة الخارجية في مجلس الشورى الإسلامي كاظم جلالي ، الذي وصف تصريحات السفير الاماراتي في أمريکا حول ملفها النووي بـ " السخيفة" من "بلد صغير وعديم التاريخ " و طالب باعتذار رسمي و فوري من دولة الإمارات على تصريح السفير فما كان من دولة الإمارات إلا أن نفت دقة التصريحات التي نسبت إلى سفيرها في الولايات المتحدة، مبررة أنها كانت في لقاء غير رسمي و أخرجت من سياقها.
هكذا تتكرر الإهانات الإيرانية لدولتنا نتيجة تصريحات غير مدروسة يقوم بها من هم غير أهل لتحمل المسئولية ، فوزير الخارجية و سفير أي دولة يعتبر لسانها الناطق في العالم و لذا تحرص الدول المتحضرة على مراعاة اختيار من يشغل هذه المناصب بكل دقة و حرفية و اعتمادا على معايير دقيقة تحسبا لأي هفوة قد تصدر من هؤلاء ممن يحملون هذه المسئولية فلا تدفع دولهم ثمن أخطائهم و جهلهم .
إن هذه التصريحات العنترية لم تقدم عليها دولة كبيرة بحجم الولايات المتحدة التي أعلنت أنها لا ترغب في اتخاذ الخيار العسكري ضد إيران لذا لجأت إلى الخيار البديل و هو العقوبات الاقتصادية التي سوف تضيق الخناق على حكومة الملالي لصرفهم عن هذا الطموح المدمر ، ولكن دولة الإمارات اتخذت نهجا خارج السياق فاختارت الحرب الكلامية و هي نوع من الحرب الباردة ، غير أن هذا اللفظ لا ينطبق على وضع دولة الإمارات التي لا تمتلك أيا من مقومات الحرب سواء العسكرية أم الكلامية . و لا نريد الخوض في تحليل القدرة العسكرية الإماراتية لأن الموضوع سوف يكون صادما للقارئ خاصة في هذه الظروف المتوترة بين الدولتين برغم العدة و العتاد الذي يفوق تعداده أعداد مواطني الدولة من نساء و رجال و شيوخ و أطفال ـ و لكن .. !
إن معرفة إيران التامة بمقدرتنا العسكرية المتواضعة في التصدي لأي هجوم أو ردع لأي اعتداء هو ما يجعل من ردودها على أي تصريح إماراتي تتصف بهذا الكم من العنجهية و الرفض و الإهانة و نعت تلك التصريحات بل الدولة بأكملها بأسوء النعوت العدوانية و التقليل من شأن هذه الدولة و احتقارها ، فكيف لا و هي التي تزرع و تربي خلاياها بين ظهرانينا حتى تحين ساعة الصفر . يبدو من تصريح سفير الإمارات في واشنطن أنه على علم بما قد تجره الحرب على إيران من وبال و لكنه في المقابل يبدي استعداده ، نيابة عن دولته بصفته الناطق باسمها ، لقبول الخيار العسكري مهما كلف الأمر حيث يعتقد بأن حسابات الربح ستفوق حسابات الخسارة في هذه الحرب المنظورة .
عجيب أمر هذه الدولة ، فمن جهة تفتح الباب على مصراعيه للتجارة مع إيران و إقامة جميع أشكال العلاقات التجارية و الاقتصادية و السياسية ، و من جهة أخرى يطلق مسئوليها تصريحات نارية تتناقض مع هذه السياسة الانفتاحية الغير مشروطة . فمثلا في إمارة رأس الخيمة وحدها توجد الآلاف من الشركات الإيرانية التابعة للحرس الجمهوري مسجلة في المنطقة الحرة كشريك لراكيا التي يملكها سعود و هي تعمل تحت غطاء العمل التجاري و تحظى بالدعم الرسمي و الحماية كي يتسنى لها كسر العقوبات الدولية التي تحظر تصدير المواد التي تدخل في مكونات التصنيع النووي إلى إيران ، بينما تستغل الأخيرة مسمى تلك الشركات الوهمية باستيراد هذه المواد على أساس أن وجهتها دولة الإمارات و منها تقوم شركة راكيا بإعادة تهريبها إلى إيران !
أما كان الأجدر و الأسهل بدولة الإمارات ، قبل أن يطلق كل من وزير خارجيتها أو من يمثلها في الخارج هذه التصريحات النارية ، أن تقوم بتطهير المنطقة من النفوذ الإيراني و إيقاف تلك الشركات الوهمية التي تساعد في دعم البرنامج النووي الإيراني ؟ إن الحديث عن تأييد ضربة عسكرية لإيران ليس دردشة مجالس و مزحة عابرة ، بل أن تردداته سيكون لها ما يكون من ردود فعل معاكسة من الجهة المضادة و ربما تتجسد على واقع الدولة فنرجوا الله أن يجيرنا مما قد تجره لنا تلك التصريحات من بلاء.
السياسة تعني الكياسة !
التعليقات
مواقع شقيقة
- مأساة راس الخيمة ـ Space
- مأساة رأس الخيمة (1) على الـــfacebook
- مأساة رأس الخيمة (2) على الـــfacebook
- مأساة رأس الخيمة صفحة عامة(2) على الـــ facebook
- مأساة رأس الخيمة صفحة عامة(1) على الـــ facebook
- مأساة رأس الخيمة - Maktoob
- مأساة رأس الخيمة -Word press
- مأساة رأس الخيمة - blog
- مأساة رأس الخيمة -Flicker
- مأساة رأس الخيمة على الــ youtube
تفضل بكتابة تعليق