أسطول الحرية و أصابع إيران الخفية

بتاريخ الجمعة، 13 أغسطس 2010
| أكتب تعليقا

 

 

لم يكن أحد يتمنى أو يتوقع أن تنتهي مسيرة أسطول الحرية الذي كان يحمل مساعدات إنسانية لأبناء غزة المحاصرين بتلك النهاية الدموية، خاصة و إن الأسطول كان منطلقا من الأراضي التركية، و تركيا تقيم علاقات جيدة جدا مع إسرائيل. إذا لماذا حدثت هذه المواجهة الدموية التي راح ضحيتها عدد من ناشطي السلام و تعرقل وصول السفن إلى غزة و وضعت إسرائيل في موقف محرج أمام دول العالم حتى أولئك المؤيدين لها بشكل سافر؟

الموضوع بالنسبة للفرد العادي الذي يرى الحدث عبر وسائل الإعلام يختلف كليا عن حقيقة الأمر الذي يعقله الساسة و يبنون تحليلاتهم بالنظر للظروف المحيطة بالأمر ، رغم أن كل تلك التحليلات لا تبرر الرد المفرط القوة الذي اتخذته إسرائيل ضد الأسطول ومن عليه خاصة كونه في المياه الدولية الحرة و ليس في مياه إسرائيل الإقليمية .

نريد أن نقف قليلا على ملابسات الظروف الزمنية و ما اقترن بها من أحداث التي أحاطت بالحادثة و جعلت منها حدثا لا يمكن إغفاله أو المرور عليه دون اكتراث :

أولا : تركيا التي لها علاقات متميزة مع إسرائيل كان بوسعها التنسيق دبلوماسياً بين الحكومتين لضمان عبور الأسطول إلى مرفأه الأخير خاصة و إننا نعلم بأن العلاقات بين البلدين شابها نوع من التوتر في الفترة الأخيرة حين استدعى نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي السفير التركي في تل أبيب و تعامل معه بأسلوب مهين بخصوص مسلسل وادي الذئاب التركي ، حينها اضطرت إسرائيل لتقديم اعتذارها لتركيا رسميا لتهدئة الوضع و حفاظا على استمرار علاقة متوازنة بين البلدين . هذا الأمر يعني أنه ليس من مصلحة إسرائيل إثارة التوتر من جديد فنكأ الجرح أشد إيلاما من الجرح نفسه ، و قد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة . ألم يكن بوسع البلدين الاتفاق على أمر يخصهما بأسلوب سلمي بعيدا عن استخدام أحدهما القوة المفرطة التي أثارت التوتر من جديد و بشكل أعمق من سابقه؟

الثاني : تزعمت إسرائيل حملة عالمية لمعاقبة إيران بسبب برنامجها النووي و تهديد المسئولين الإيرانيين بإزالة إسرائيل عن خارطة العالم . هذا التوجس الإسرائيلي من خطورة التسلح النووي الإيراني و ما قد ينتج عنه من تعريض أمن إسرائيل للخطر دفعها لإثارة دول العالم باتخاذ موقف مضاد ضد هذا الطموح الإيراني الخطير معتمدة في ذلك على تزعم الولايات المتحدة للدور العالمي في إخضاع إيران للرغبة الدولية بخصوص تخصيب اليورانيوم . إيران التي كانت تعد وتتراجع مستغلة الوقت في تهدئة الرأي العالمي حتى يتسنى لها الوقت لتخصيب اليورانيوم بالنسبة التي تمكنها من امتلاك الرؤوس النووية.

و على الرغم من شكوكنا بأنها تمتلك فعلا تلك الرؤوس حين استغلت فترة انهيار الاتحاد السوفيتي فقامت باستيراد الكثير من تلك الأسلحة النووية من الجمهوريات الروسية المنفصلة أو حتى بالاتفاق مع الحكومة الروسية نفسها التي شعرت بفقدان أي موطئ قدم لها في الشرق الأوسط فبادرت ببناء المفاعلات النووية الإيرانية لاستعادة الدور المفقود ، ناهيك عن التعاون التام بين إيران و الصين من جهة و إيران و كوريا الشمالية من جهة أخرى و الدولتان نوويتان .

حاولت الإدارة الأمريكية و العالم أجمع إقناع إيران بعملية تخصيب اليورانيوم بنسبة تصلح للاستخدام السلمي خارج أراضيها أو مبادلة ما تملكه من يوارانيوم غير مخصب بوقود نووي و قضبان مخصبة بنسبة 20% لضمان عدم تطويرها لأسلحة نووية . إلاّ أن الردود الإيرانية كانت دائما كمن يضع العقدة في المنشار لكل حل يأتي به المجتمع الدولي فتفشل الحلول الدبلوماسية و تبدأ دورة جديدة من المباحثات الفارغة.

فجأة تعلن تركيا للعالم بأنها توصلت إلى اتفاق مع إيران على أساس الشروط الأمريكية و قبول إيران بها و أن تكون تركيا هي الأرض التي ستتم عليها عملية التبادل النووي الإيراني ! ما السر في هذا التغير المريب و الذي يظهر فجأة دون تحفظ في اتفاق بين دولتين تسعيان كلاهما لأخذ دور إقليمي ريادي في المنطقة ، و تسعيان لبسط هيمنتهما على دول الشرق الأوسط ؟

لقد شعرت أمريكا و إسرائيل معا بشيء من الريبة حول خفايا الاتفاق و الذي حدث و الذي يمكن أن يفسر بأنه للالتفاف حول الجهود الدولية في فرض عقوبات أشد صرامة على إيران يتم اعتمادها من قبل الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن خاصة بعد أن حدث تقارب واضح في الرؤى و شبه اتفاق بين الولايات المتحدة و كل من روسيا و الصين . لقد جاءت الموافقة الإيرانية في وقت حرج للغاية حين كادت الولايات المتحدة أن تتنفس الصعداء في وصولها لهذا التوافق التاريخي مع دولتين طالما كانتا تناوءانها في قراراتها و سياستها بالنسبة لدول العالم عامة و الشرق الأوسط بشكل خاص.

ونعود لأسطول الحرية من جديد ، فبعد أن استعرضنا بعض الظروف التي تحيط بالموقف التركي سواء بالنسبة لإسرائيل أو لإيران ، نستخلص أن هناك اتفاقا شبه مبدئي بين تركيا و إيران بخصوص بعض الجوانب المتعلقة بإسرائيل خاصة بالنسبة للوجود الإسرائيلي و الطموح الإسرائيلي أيضا في لعب دور المركز بالنسبة للشرق الأوسط و الذي تنازعانها فيه هاتين الدولتين ـ إيران و تركيا. من هذا المنطلق نستطيع أن نفهم الدور الإيراني في تسيير هذا الأسطول بأسلوب استفزازي لإثارة إسرائيل و جرها لقضية تشترك فيها ضد ما يقارب من 32 دولة التي جاء منها هؤلاء الناشطون الذين كانوا على ظهر سفينة الحرية التركية .

إن إشغال الرأي العالمي اليوم بقضية دولية تم فيها التعدي على القانون الدولي من قبل إسرائيل هو بالطبع ما سوف يضعف الموقف العالمي الذي يتجه نحو مقاطعة إيران و الذي يعلم الجميع أنه يحدث بزعامة إسرائيلية تلبس العباءة الأمريكية ، كما أنه سوف يتسبب في توتر دبلوماسي بين إسرائيل و الدول التي تقيم معها علاقات طبيعية ، و مما لا شك فيه أنها ستخسر الكثير من علاقاتها التاريخية مع تركيا التي نكأت جرحها من جديد . أما الغريب في الأمر و الذي يجب أن نتوقف عنده كثيرا هو أننا لم نسمع عن ناشطين إيرانيين على ظهر سفينة الحرية بينما نسمع كل يوم تصريحات المسئولين الإيرانيين حول القضية الفلسطينية و حصار غزة و دعم حماس و إزالة إسرائيل من الخريطة و ما إلى ذلك من الشعارات الجوفاء التي لا نراها على أرض الواقع . أين إيران في هذا الموقف اليوم ؟ لا شك أنها تراقب و تبتسم بأن خططها تسير حيثما شاءت لها أن تسير و أنها استطاعت أن تورط إسرائيل في موقف أشبه بالعدائي مع دول العالم و تشغل هذه الدول بأمر لم يكن في الحسبان ، و تظهرها أمام الجميع بأنها ، أي إسرائيل ، هي الدولة المارقة التي يجب على العالم أن يتفق ضدها و ليست إيران ذلك الحمل الوديع المسالم الذي يغفو هانئا على الضفة الشرقية من الخليج العربي!

الجميع يستغل القضية الفلسطينية كصهوة يعتليها للوصول إلى أهدافه الخاصة ، فلا تزال إيران تتغنى بالحقوق الإنسانية للشعب الفلسطيني و تتحدث في خطابها بالواجب الديني المفترض على الأمة الإسلامية و تبهّر خطاباتها بالروايات التي تدغدغ مشاعر المسلمين في أرجاء المعمورة خاصة أولئك البسطاء من الناس و تعدهم بظهور المنقذ الذي سوف يمحو إسرائيل من الوجود و ما إلى ذلك من الخزعبلات التي لا تعتمد على حقيقة لأنها تعلم في قرار ذاتها أنها لا تعني ما تقول و إنما تستغل المشاعر الشعبية في العالمين العربي و الإسلامي ليهللوا لكل خطوة تخطوها في تنفيذ مخططها الشيطاني للهيمنة على الشرق الأوسط . و الآن تأتي تركيا للعب الدور ذاته و أيضا بامتطاء صهوة القضية الفلسطينية التي أصبحت جاهزة لك من أراد تحقيق طموحه في التوسع و السيطرة مستغلة أيضا نبرة الدين و الإسلام و إنقاذ الشعوب المطحونة.

لقد كانت الإمبراطورية الفارسية مترامية الأطراف قبل ظهور الإسلام الذي حطم عرش كسرى على الأرض لكنه بقي في نفوس الإيرانيين حلما متقدا لإعادة السيطرة الفارسية من جديد و استعباد شعوب المنطقة ، و تركيا التي كان السلطان العثماني يدير من على أرضها شعوب الوطن العربي و الشرق الأوسط وصولا إلى بعض الشعوب الأوروبية ، تحلم أن تعيد كرسي السلطان من حيث انتهى إليه إلى حيث كان عليه . و يبقى الشرق الأوسط بؤرة جذب لأطماع الآخرين و عروش الحكام الفاسدين بينما تدفع شعوبه أثمان ذلك باهظة من أمنها و استقرارها ورفاهيتها .

و لأن موضوع الطموح الإيراني في منطقتنا يمسنا شخصيا كدولة الإمارات التي يقطنها أكثر من مليون إيراني إضافة إلى جوقة التجار الذين يتمتعون بالجنسية الإماراتية بعد أن استقروا بالإمارات قادمين من بلاد فارس يجعلنا نتوجس قلقا من هذا التوتر الذي يسود المنطقة في زمن لا يحتمل القليل منه ، أما إمارتنا الحبيبة ، رأس الخيمة ، فليس خافيا على أحد أنها أصبحت شركة تابعة للحرس الجمهوري يدير أمورها حسب مصالحه و تحظى بالدعم اللوجستي و الرسمي من قبل عميلها سعود بن صقر الذي أسلمها لهم مقابل ثمن بخس ـ دراهم معدودات ، فلا نامت أعين الخونة !

These icons link to social bookmarking sites where readers can share and discover new web pages.
  • Digg
  • Sphinn
  • del.icio.us
  • Facebook
  • Mixx
  • Google
  • Furl
  • Reddit
  • Spurl
  • StumbleUpon
  • Technorati

المدونة في سطور

أرشيف المدونة